يبرز منجم السكري باعتباره أحد أهم المعالم التعدينية في مصر التي تشير إلى الطبيعة الجيولوجية الغنية للبلاد مع احتواء أراضيها على ثروات،
خصوصًا أنها جزء من الدرع العربي النوبي الذي يضم عددًا من الدول، وعُثِرَ كذلك في المنجم على رواسب من المعدن الأصفر منذ عهد المصريين القدماء.
وتسعى مصر إلى تطوير قطاع التعدين لزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 5% خلال العقدين المقبلين مقارنة بـ0.5% في الوقت الراهن؛ إذ طرحت البلاد مؤخرًا العديد من فرص التنقيب عن المواد التعدينية واستحوذ الذهب على النصيب الأكبر منها.
اكتشاف جبل من ذهب لا يقدر بثمن في دولة عربية..الخبراء قدروا الكمية بآلاف الأطنان
ورغم أن السكري (Sukari Gold Mine) هو منجم مصر الأول في العصر الحديث؛ فإن هناك آثارًا في عدة نطاقات من الحفر تشير إلى أنه استُخدِم قديمًا في عهد المصريين القدماء.
كما أن المنطقة التي يوجد بها المنجم عُثِرَ فيها على خرائط تعود للعصر الفرعوني تدل على احتواء جبل السكري على مناجم ذهب استُخدِمت قديمًا.
منجم ضخم وسهل التكسير
يوصف “السكري” بأنه منجم ذهب ضخم يأتي ضمن أكبر المناجم في العالم، ويقع في منطقة جبل السكري، والذي اكتسب المنجم اسمه منها.
وبحسب التقديرات الاستكشافية للسكري؛ يتميز المنجم بانتشار معدن الذهب على امتداده؛ ما يجعله من ضمن المناجم الأكبر في أفريقيا والعالم.
ويقع جبل السكري في صحراء النوبة، التي تُعَد جزءًا من الصحراء الشرقية، والواقعة على بُعد 30 كيلومترًا جنوب مرسى علم التابعة لمحافظة البحر الأحمر في مصر.
وتبلغ مساحة منجم السكري -الواقع أقصى جنوب منطقة الهضاب الجيراتينية- نحو 160 كيلومترًا مربعًا.
وتشير بيانات محافظة البحر الأحمر إلى أن مخزون الذهب في منجم السكري هش وسهل التكسير، ويتداخل مع مركبات جراتينية من بلورات التوناليت -وهي صخور نارية- ذات الحبيبات البركانية.
وينقسم مخزون الذهب في منجم السكري إلى 4 نطاقات؛ وهي: الفراعنة وراع وآمون والغزالي.
طريقة استخراج الذهب
توضح بيانات محافظة البحر الأحمر أن المنجم توجد به محطة صهر رباعية تنتج ما مقداره 200 ألف أوقية في المتوسط سنويًا، ويطبق الطريقة التقليدية في عملية التعدين لفصل الذهب.
وتمر عملية استخراج الذهب في السكري بالتكسير، وبعدها تجميع المادة الخام الناتجة عن التكسير، ومن ثم طحن المادة الخام، وتعويم المادة الخام لفصل المعادن الثمينة.
وبعد تعويم المادة الخام، تأتي علمية التصفية والطحن، وفصل المعادن الثمينة عن طريق استخدام محلول السيانيد، والتجفيف باستخدام الكربون النشط، وبعدها يُفصَل الكربون عن المعادن، وفصل الذهب والمعادن الثمينة.
بداية قصة السكري
يأتي منجم السكري باعتباره أحد المشروعات المشتركة بين هيئة الثروة المعدنية وشركة سنتامين الأسترالية؛ فهو نتاج اتفاقية وقعت عام 1994 بين الحكومة المصرية والشركة الفرعونية لمناجم الذهب الأسترالية -سنتامين حاليًا- للبحث عن الذهب والمعادن واستغلالها.
وبعد اكتشاف منجم السكري تقرر إنشاء شركة السكري لمناجم الذهب في مايو/أيار 2005، بمنطقة امتياز يبلغ طولها 160 كيلومترًا مربعًا، لاستغلال المنجم.
وشركة السكري، ذات رأسمال مشترك بين هيئة الثروة المعدنية المصرية -التابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية في مصر- وسنتامين التي يقع مركزها الرئيس في أستراليا.
ويشار إلى أن الشركة الفرعونية لمناجم الذهب كانت المشغل الأول لمنجم السكري قبل أن تستحوذ عليها سنتامين (Centamin).
وفي النهاية، تُحفظ البقايا لاحتوائها على العديد من ترسبات الذهب ثم يُضاف محلول السيانيد والكربون النشط، وبعدها تُفصل ترسبات الذهب التي تخلفت عن العملية السابقة.
ويشار إلى أن “محلول السيانيد” هو مادة سامة بيضاء تأتي في شكل حبيبات أو بلورات صلبة؛ إذ تُنْتِج غاز سيانيد الهيدروجين ومن ضمن استخدامها استخراج الذهب والفضة.
وتضخ شركة السكري المياهَ من البحر الأحمر إلى المنجم لإجراء عمليات تعويم المواد الخام والإحلال والترسيب في محطات المتابعة.
أرقام عن منجم السكري
منذ عام 2009، بدأت شركة سنتامين إنتاج المعدن الأصفر من السكري؛ ليصل إنتاجه حتى الوقت الراهن لنحو 5 ملايين أوقية من الذهب، وفقًا لآخر رصد لشركة سنتامين في تقريرها الفصلي عن الربع الأول من عام 2022، والذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
وأظهرت أحدث مراجعة لاحتياطيات السكري من الذهب والمعلنة أواخر عام 2021 تحقيقها نموًا هو الأعلى منذ 10 سنوات؛ لتصل احتياطيات المنجم لنحو 5.8 مليون أوقية من الذهب.
وبناءً على المراجعة الحديثة للاحتياطي؛ من المتوقع أن يمتد عمر المنجم لـ12 عامًا أخرى، وفقًا لبيانات شركة سنتامين.
وخلال الربع الأول من العام الجاري 2022 -أي في المدة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية مارس/آذار الماضي- تراجع إنتاج الذهب في منجم السكري إلى 93.1 ألف أوقية من الذهب مقابل 107.5 ألف أوقية خلال الربع الأخير من العام الماضي (أكتوبر/تشرين الأول-ديسمير/كانون الأول).
وعند المقارنة على أساس سنوي؛ فإن إنتاج المنجم كان أقل أيضًا؛ إذ بلغ نحو 104.04 ألف أوقية من الذهب خلال الربع الأول من عام 2021.
ورغم ارتفاع أسعار الذهب؛ فإن مبيعات سنتامين من الذهب المستخرج تراجعت إلى 92.55 ألف أوقية، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، مقابل 106.5 ألف أوقية خلال الربع نفسه من 2021.
ونتيجة انخفاض الكمية المبيعة، تراجعت إيرادات شركة سنتامين المشغلة لمنجم السكري -الذي يُعَد أكبر أصل تمتلكه- إلى 174.6 مليون دولار خلال المدة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية مارس/آذار الماضي، مقابل 189.9 مليون دولار خلال الربع نفسه من العام الماضي.
وفي مجمل عام 2021، تراجع إنتاج السكري إلى 415.37 ألف أوقية، مقابل 452 ألف أوقية خلال عام 2020.
ومن المتوقع أن يبلغ إنتاج المنجم خلال العام الجاري بين 430 و460 ألف أوقية من الذهب، قبل أن يصعد الإنتاج إلى ما بين 450 و475 ألفًا خلال العام المقبل 2023.
وتتوقع سنتامين أن يتراوح إنتاج الذهب في منجم السكري بين 450 و500 ألف أوقية خلال عام 2024، وفق توقعات الشركة الصادرة في ديسمبر/كانون الأول من عام 2021.
ماذا عن حصة مصر في المنجم
وفقًا للاتفاقية الموقّعة بين مصر وسنتامين، يحق للحكومة المصرية أن تحصل على 50% من أرباح منجم السكري.
كما يحق لمصر الحصول على إتاوة بنسبة تصل إلى 3% من صافي إيرادات مبيعات منجم السكري، بحسب التقرير السنوي لشركة سنتامين.
ومع تراجع كميات أوقية ذهب السكري، انخفضت إيرادات الإتاوة التي تحصّلها مصر من شركة سنتامين، خلال الربع الأول من العام الجاري، إلى 5.5 مليون دولار، مقابل 5.7 مليون دولار خلال الربع نفسه من العام الماضي.
منجم السكري
كما تراجعت حصة مصر من الأرباح المحققة من مبيعات ذهب منجم السكري خلال الأشهر الـ3 الأولى من العام الجاري إلى 8.5 مليون دولار، مقابل 21.7 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة نفسها من العام الماضي.
وفي عام 2021، تراجعت حصة مصر من أرباح مبيعات ذهب منجم السكري إلى 75.2 مليون دولار، مقابل 174.27 مليون دولار خلال 2020.
كما انخفضت الإتاوة التي تحصّلها مصر من شركة سنتامين نتيجة مبيعات ذهب منجم السكري إلى 21.67 مليون دولار مقابل 24 مليون دولار خلال 2020.
أكبر 10 مناجم ذهب عالميًا
تؤكد محافظة البحر الأحمر، التي يقع بها المنجم، أن “السكري” مرشح لأن يحتل مرتبة ضمن قائمة أكبر 10 مناجم ذهب عالميًا.
وتتوقع شركة سنتامين أن يصل إنتاج منجم السكري إلى نحو 500 ألف أوقية من الذهب بحلول عام 2024، وهو المستوى الذي تجاوزه عامي 2016 و2017 قبل أن يتبع الإنتاج منحنى هبوطيًا حتى العام الماضي.
وجاءت مناجم ولاية نيفادا الأمريكية في صدارة قائمة أكبر 10 مناجم ذهب في العالم، بحجم إنتاج وصل إلى 3.31 مليون أوقية، أو ما يعادل نحو 2.9% من الإنتاج العالمي.
وحل في المرتبة الثانية منجم مورونتو في دولة أوزبكستان بحجم إنتاج بلغ 2.99 مليون أوقية من الذهب بنسبة 2.6% من الإنتاج العالمي، وتلاه في المركز الثالث منجم غراسبيرغ في دولة إندونيسيا بحجم إنتاج بلغ 1.37 مليون أوقية أو نحو 1.2% من الإنتاج العالمي.
ورابعًا جاء منجم أولمبيادا في روسيا بحجم إنتاج وصل إلى 1.18 مليون أوقية أو ما يوازي 1% من الإنتاج العالمي، وفي المركز الخامس جاء منجم بويبلو فيجو بجمهورية الدومينيكان بحجم إنتاج 814 ألف أوقية بنسبة 0.7% من الإنتاج العالمي.
وفي المستوى السادس جاء منجم كيبالي بجمهورية الكونغو الديمقراطية بحجم إنتاج 812 ألف أوقية من الذهب أو 0.7% من الإنتاج العالمي، وسابعًا جاء منجم كاديا في أستراليا بحجم إنتاج 764.89 ألف أوقية أو 0.7% من الإنتاج العالمي.
وفي المستوى الثامن منجم ليهير الواقع في بابوا غينيا الجديدة بحجم إنتاج وصل إلى 737.08 ألف أوقية ما يوازي 0.6% من الإنتاج العالمي، وتلاه منجم مالارتيك في كندا بحجم إنتاج بلغ 714.78 ألف أوقية من الذهب ما يعادل 0.6% من الإنتاج العالمي.
وفي المركز العاشر جاء منجم بودينغتون في أستراليا بحجم إنتاج وصل إلى 696 ألف أوقية من الذهب أو 0.6% من الإنتاج العالمي.
ويعني ذلك أن منجم السكري يقترب من قائمة الـ10 الكبار من حيث أكبر 10 مناجم ذهب حول العالم، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
مناجم أخرى في الطريق
يُعَد منجم السكري أشهر منجم تجاري في مصر حاليًا بالنظر إلى إنتاجه الضخم، لكن يوجد كذلك منجم حمش (Hammash Gold Mine) وهو منجم فرعوني قديم يقع بالصحراء الشرقية وتديره شركة حمش مصر لمناجم الذهب، بالإضافة إلى منجم إيقات (Iqat Gold Mine) المُكتَشف حديثًا وما زال قيد التطوير.
وفي يونيو/حزيران 2020، نجحت مصر في تحقيق كشف تجاري للذهب بمنطقة إيقات الواقعة في صحراء مصر الشرقية، باستثمارات تُقَدَّر بأكثر من مليار دولار طوال السنوات الـ10 المقبلة، والواقع بمنطقة امتياز شركة شلاتين للثروة المعدنية، وهو ما يجعله كشفًا مصريًا خالصًا.
وشركة شلاتين للتعدين الواقع في امتيازها منجم إيقات، يتوزع رأسمالها بين هيئة الثروة المعدنية (35%) وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية (34%)، وبنك الاستثمار القومي (24%)، والشركة المصرية للثروات التعدينية (7%).
وبحسب بيانات وزارة البترول المصرية؛ يُقدر احتياطي منجم منطقة إيقات بأكثر من مليون أوقية من الذهب وبنسبة استخلاص 95% -تُعَد من أعلى نسب الاستخلاص- إذ يبلغ متوسط تركيز الذهب 1.5 جرامًا في الطن.
وعُقِدَت أول جمعية عمومية لشركة إيقات لمناجم الذهب والمسؤولة عن تنمية كشف إيقات التجاري، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
ويأتي ذلك مع طرح مصر مزايدات عالمية للبحث عن المعادن ومنها الذهب منذ عام 2020، في إطار تحديث قطاع التعدين واستهدافها رفع مساهمة القطاع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي عام 2020، فازت 11 شركة في مزايدة طرحتها مصر بـ82 قطاعًا على مساحة 14 ألف كيلومتر مربع بالصحراء الشرقية باستثمارات حدها الأدنى 60 مليون دولار.
السكري والطاقة المتجددة
منجم السكري
في مايو/أيار 2021، قررت شركة سنتامين إنشاء محطة للطاقة الشمسية في منجم السكري بقدرة 36 ميغاواط، ونظام تخزين طاقة البطارية بقدرة 7.5 ميغاواط باستثمارات 37 مليون دولار، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيلها نهاية العام الجاري.
وتعاقدت سنتامين مع شركة جيه يو دبليو آي (Juwi) الألمانية، في تصميم وتوريد ودمج محطة السكري للطاقة الشمسية والبطاريات بمحطة توليد الكهرباء الحالية التي تعمل بالديزل، كما تعاقدت مع جيزة سيستمز (Giza Systems) في تركيب محطة السكري.
وبحسب سنتامين؛ ستكون محطة السكري للطاقة الشمسية أكبر مشروع للطاقة الشمسية الهجينة على مستوى العالم خارج الشبكة.
وتتوقع الشركة أن تعمل محطة السكري للطاقة الشمسية على تقليل استهلاك وقود الديزل في منجم السكري بنحو 22 مليون لتر سنويًا.
وتؤكد سنتامين أن محطة السكري للطاقة الشمسية ستعمل على تقليل تكاليف الوقود بين 9 و13 مليون دولار سنويًا، فضلًا عن توفير الحماية من التعرض لتقلبات أسعار الوقود.