"الدّولار إلى أين؟".. هو سؤالٌ راود بالَ الكثير من اللبنانيين خلال اليومين الأخيرين لسببين أساسيين: الأول وهو أنَّ هناك هبوطاً مُفاجئاً حصل في السوق الموازية من دون معرفة الأسباب الكامنة وراءه، فيما الثاني يرتبطُ بما سيجري على صعيد حاكمية مصرف لبنان أواخر شهر تموز الجاري، باعتبار أنَّ ولاية حاكم البنك المركزي رياض سلامة ستنتهي رسمياً يوم الـ31 من هذا الشهر.
بالنسبة للسبب الأول، أي المرتبط بـ"هبوط الدولار" المفاجئ، فإنّ هناك الكثير من الأمور التي أدّت إلى هذا الأمر، وما يُمكن قوله هو أنَّ السوق بات يأخذُ "جرعات إنعاش" على أكثر من صعيد.. فما الذي يحصل؟ وما الذي ساهم بالإنخفاض؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟
ما حصلَ على صعيد انخفاضِ سعر الدولار يرتبطُ بمسارات 3 أساسية وهي: إقبالُ المواطنين على دفع دولاراتٍ في السوق وبالتالي تأمين سيولة من خلال شراء الإحتياجات المختلفة بسببِ شبه الدولرة الشّاملة – دخول عامل المغتربين على الخطّ فهؤلاء ساهموا بضخّ الكثير من الأموال سواء على صعيد الحجوزات في الفنادق والمراكز السياحية أو حتى ضمن السوق الموازية – التحسينات التي طرأت على صعيد رواتب القطاع الخاص والتي أسّست لأرضيّة خصبة خلال الأشهر الماضية ساهمت بمنح المواطن عملة صعبة بات مُضطراً لإدخالها إلى السّوق إما لشراء احتياجاته أو لصرفها لدى الصرافين.
عملياً، كل هذه الأمور لعبت دوراً مهماً على صعيد تراجع سعر الدولار، إلا أنَّ هناك سلسلة من الأمور التي تحصل وراء الكواليس وكان لها دورٌ في تكريس الإنخفاض وهي على النحو التالي: أولاً: تراجع المدفوعات الخارجيّة للإستيراد بشكلٍ متناسق مقارنة مع الأعوام السابقة وبالتالي الحفاظ على دولاراتٍ داخل البلد. عند هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن ما ساهم في هذا الأمر هو ارتفاع قيمة الدولار الجُمركي، وهذا العامل لا يعتبر إيجابياً على المدى الطويل لأن هناك قطاعات أساسية (مثل قطاع إستيراد السيارات)، قلصت الإستيراد في الوقت الراهن لإعادة تكوين رأسمالٍ يسمح لها بإستئناف نشاطها لاحقاً، وبالتالي إعادة الطلب على الدولار بكثافة. الأمر الثاني ويرتبطُ بحراكٍ إستثماري لافت في مناطق عديدة ساهم بدخول أموالٍ طازجة إلى السوق. فرغم الأزمة، باتت تنشط الكثير من مشاريع الإستثمارات التجارية التي كرّست سيولة من العملة الصعبة، فيما تفيد مؤشرات أخرى إلى أنّ حركة سوق العقارات باتت تنشطُ من جديد من خلال شراء شققٍ "نقداً" نظراً لإنخفاض أسعارها في الوقت الرّاهن.
أين مصرف لبنان من التراجع الذي حصل؟
من مصلحة البنك المركزي أن يتراجع سعر الدولار من أجل أن يشتريه بالليرات الموجودة لديه والتي ساهم في تكوينها عبر التعميم 161 الخاص بـ"صيرفة" تحت عنوان "تجفيف الليرة من السوق". هنا، فإنه من المتوقع تماماً أن يكون ما شهده الدولار خلال اليومين الماضيين من "إنخفاض إيجابي" على إرتباطٍ بمحاولة من مصرف لبنان سحب دولارات من السوق لتمويل الرواتب وتداولات "صيرفة" التي ما زالت سارية المفعول حتى الآن من دون أيّ عوائق. بحسب المعلومات، فإنّ بعض المصارف بدأ بتسهيل معاملات "صيرفة" بشكل أكبر، وهذا ما يعدُّ إشارة إلى أنّ هناك بوادر لتوفير دولارات أكثر للمواطنين بعيداً عن سوق الصرافين الذي بات يفتقد أصلاً لحركة في أوساطه بسبب عدم تهافت المواطنين الكثيف إليه.. وكدليل على ذلك، فإنَّ أعمال مختلف الصرافين تراجعت لاسيما بعدما بات المواطنون يستهلكون دولاراتهم في مراكز البيع وليس في السوق الموازية. حُكماً، هذه الخطوة ستجعل السيولة متوفرة في المكان الصحيح وليس لدى "تجار العملة"، ما يعني إمكانية بقاء تلك الدولارات ضمن الحركة الإقتصادية بدلاً من ذوبانها في المضاربات. وما لا يمكن نكرانه أيضاً هو أنّ السياسة التي اعتمدها مصرف لبنان بتكريس قوّة "صيرفة" على مدى الأشهر الماضية، قد ساهمت بتحييد السوق الموازية قليلاً عن التأثير، على الرغم من أن الأخيرة هي التي تطغى بتأثيرها على الوضع.
الدولار إلى أين؟
لا شيء يمكنه الآن حسم اتجاه سعر الدولار، وبحسب مصادر مالية فإنّه "لا إجراءات بنيوية" ساهمت حقاً بإنعاش السوق، مشيرة إلى أنّه على المواطنين ألا يبادروا إلى صرف دولاراتهم بشكل هائل حالياً تجنباً للخسارة، لاسيما أنه ما من شيء مضمون في سوق القطع القائم حالياً.
في الخلاصة، يجدر القول إنه يجب مراقبة الأسعار "كل يوم بيومو"، والأهم هو ألا تصل الأمور على صعيد حاكمية البنك المركزي إلى مرحلةٍ سلبية لأن الأمور ربما ستترك انعكاسات وترددات على القطاعين المالي والإقتصادي...
المصدر: خاص "لبنان 24"