إن لم يبقَ من صلاحيات لرئيس الجمهورية، أي رئيس جمهورية، للقيام بالدور المطلوب منه، بإعتباره "رمز وحدة الوطن"، فلماذا كل هذا الصراع على إنتخاب رئيس سيقول بعد نهاية سنواته الست: "ما خلّونا"؟ فهذا السباق للوصول إلى كرسيّ بعبدا، وإن لم يبدأ جدّيًا بعد، ليس جديدًا على الإطلاق، وقد شهدنا عليه قبل ثماني سنوات ونصف السنة، وإستمرّ يتفاعل على مدى سنتين ونصف السنة من فراغ أصبح ملازمًا لأي معركة رئاسية.
فكل "الأسلحة" تصبح مباحة في معركة لا غالب فيها ولا مغلوب، إذ إن موازين القوى تكاد تكون متساوية، أقّله لناحية التعطيل. فلا "محور الممانعة" قادر على فرض الرئيس الذي يناسب اهدافه، ولا "محور السيادة" يستطيع أن يسّوق مرشحه، أقّله داخل حدود الحلفاء، بإعتبار أن التشتّت هو السمة البارزة والرئيسية، التي تجمع بين مكوّنات هذا المحور.
ما هو ثابت حتى الآن، ووفق قراءة موضوعية للخارطة السياسية لمكونّات المجلس النيابي، أن لغة الأرقام هي التي تتكلم، ولا شيء يعلو على هذه الوقائع، التي أتت نتيجة الإنتخابات النيابية الأخيرة. وبلغة الأرقام يتبّين أن أيًّا من المحورين غير قادر على الوصول إلى الأمتار الأخيرة في "سباق السراب". وهذه الحقيقة الواقعية يدركها جيدًّا كل من "حزب الله" وحزب "القوات اللبنانية" بالتحديد، وهما رأسا حربة كل من المحورين، وهما يعرفان أنه من المستحيل التوصّل إلى تفاهم على رئيس غير توافقي، وبالتوازي فإنه من المستحيل تكرار تجربة العام 2016، أقّله بالنسبة إلى معراب، التي ترفع سقف التحدّي من خلال إصرارها على ترشيح النائب ميشال معوض، مع أنها لم تستطع أن تقنع "النواب التغييريين" أو كتلة "الوسط العكاري"، أو أي أحد من النواب المستقلين بالسير بهذا الخيار. وهذا يعني أن تحالف "القوات" و"الكتائب" وكتلة "اللقاء الديمقراطي" وكتلة "التجدّد" لا يزال مقتصرًا على أربعين صوتًا، في مقابل عدد متقارب لـ"محور الممانعة" في حال قرّر رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل عدم الإصطفاف مع خياراته، خصوصًا إذا أصرّ "حزب الله" على تبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية.
فعَن أي رئيس يفتّش هذا الفريق أو ذاك، وعن أي مواصفات، وهل مواصفات هذا تنطبق على مواصفات ذاك، أو تتناسب مع مصلحة كل منهم؟ الأكيد أن الأسماء المطروحة للرئاسة حتى الآن تُعتبر "أسماء إستهلاكية"، وأن مرحلة الجدّ لم تبدأ بعد، لأن لكل فريق حساباته الخاصة، التي تتماشى مع مرحلة الفراغ، وأن كل واحد من أفرقاء الساحة اللبنانية يريد تركيب إذن الجرّة وفق خياراته، التي أصبحت محدودة في الزمان والمكان؟
فالمرشح المقبول من هذا الفريق مرفوض من الفريق الآخر، والعكس صحيح أيضًا. وقد تكون جلسة اليوم "بروفا" أولى عن مدى التأزم الرئاسي لدى جميع الأفرقاء من دون إستثناء. فالمعادلة الحسابية واضحة ولا تحتاج إلى الكثير من التفسير والشرح. فتلميذ الصف السابع (سرتيفيكا) يعرف أن الإتيان برئيس جديد وفق المعادلات الحسابية القائمة حاليًا، والتي تفرز البلاد إلى ضفّتين متقابلتين ومتباعدتين، أمر مستحيل، خصوصًا أن إمكانات التفاهم الرضائي بين هذين الفريقين غير متوافرة في الوقت الحاضر، وتحتاج إلى الكثير من الصلاة والطلب من السماء لكي تتدّخل لإيجاد حلّ لهذه المعضلة، التي إسمها رئاسة الجمهورية، التي سبق لمفكر لبناني كبير أن وصفها بـ"اللعنة" التي تلاحق الطائفة المارونية في شكل خاص، بإعتبار أن كل "حروبهم" وإنقساماتهم العمودية والأفقية هي بسبب هذا الكرسي، الذي أصبح مجردًّا من الصلاحيات. وهذا ما دفع البعض إلى تغيير كلمة "ما خلّونا" بتعبير آخر، وهو "أن النظام ما خلاّنا".