لا يمكن فهم الاعتبارات النقدية الاقتصادية والقانونية التي أُخذت لتغيير السعر الرسمي، إذ ليس هناك أيّ اعتبار يوصي بأن يكون السعر الرسمي 15 ألف ليرة ولا الدولار الجمركي كذلك، هذا ما يؤكّده الخبير الاقتصادي، البروفسور بيار الخوري لـ"النهار". ولا إجابة واضحة وتقنية عن الأسئلة التالية: لماذا اعتماد 15 وليس 20 ألف ليرة أو 12 ألفاً؟ ولماذا لا يُعتمد سعر المنصّة أو سعر الدولار الحرّ؟ "فهنا يكمن الخطر"، وفق الخوري، إذ لا جواب لدى السلطة ولا مبرّرات اقتصادية على الإجراءت التي تطلقها، فهي تقوم بإجراءت ولا تضع سياسات.
إضافةً إلى أنّه ليس في قانون النقد والتسليف ما يُسمّى "الدولار الرسمي" بل هناك "الدفاع عن سعر الصرف" فالدور الأساسي لأيّ مصرف مركزي في العالم هو ضبط الأسعار ولجم التضخّم. ففكرة سعر الصرف الرسمي مأخوذة من الأنظمة ذات سعر الصرف المُدار، فيما لبنان لا يتبنّى هذه الأنظمة، لا بطبيعة نظامه الاقتصادي ولا بانفتاحه على التجارة الخارجية والرساميل، وفق الخوري. حتى إنّ تعدّد الأسعار هو اجتهاد حصل بعد أزمة 2019 وهو غير موفَّق قانونياً ولا اقتصادياً.
علمياً، يبرّر حكّام البنوك المركزية والفيديرالية سلوكهم المتعلّق بالقرارات الاقتصادية المفصلية، ولا يمكن للتبرير أن يكون لتلبية حاجات الدولة عامةً، بل لتلبية حاجات الاقتصاد ومصلحة الإقتصاد الوطني.
وعن اتّجاه سعر الدولار في السوق السوداء، يؤكّد الخوري أنّه على سعر 15 ألف ليرة، سنكون بحاجة إلى سيولة أكبر في الاقتصاد. وهنا يجب البحث في حجم الليرات التي ستلمّها الدولة مقابل مدى حاجة الناس إلى الليرة لتسديد نفقاتها، وإلى أي مدى تدفع الحكومة للخدمات التي تُسدّد بالدولار على 15 ألف ليرة، ومدى حاجة المصارف إلى سيولة لتسعير الودائع على 15 ألف ليرة بدلاً من 8000 ليرة بموجب التعميم 151، وكم ستلمّ المصارف من السوق القروض بالدولار على سعر 15 ألف ليرة. فمجموع كل هذه العناصر، يحدّد اتجاه سعر الصرف، وفق الخوري.
من شروط تثبيت سعر الدولار على 15 ألف، حلّ مشكلة الودائع
تغيير السعر الرسمي يحمل 3 سيناريوهات، وإجراء المالية غير واضح المعالم، وفق الخبيرة الاقتصادية، الدكتورة ليال منصور. نظرياً، إعلان سعر صرف رسمي جديد يعني أنّ الدولة تنوي تثبيت سعر الصرف، أي إنّ الودائع "نظرياً" تُسحب على سعر 15 ألف وكذلك القروض، وتُلغى منصّة "صيرفة" ومعها السوق الموازية وتعدّدية الأسعار، ويعيش اللبناني كما كان على أيام الـ1500 ليرة لكن على سعر 15 ألف ليرة. وهذا السيناريو الأول.
وترجّح منصور أن يكون هذا السعر فُرض لتحسين إيرادات الدولة وللتبرير أمام صندوق النقد الدولي زيادة الرواتب وزيادة الضرائب، وقد يُطبَّق هذا السعر على الودائع والقروض وهنا "سنشهد صرخة"، وهذا هو السيناريو الثاني. فإن لم يُطبَّق بشكله النظري، "فعملياً "صيرفة" باقية ومعها السوق الموازية والدولار سيرتفع تدريجاً وليس تحليقاً".
لذلك، وتطبيقياً، تستبعد منصور كلّياً، أن يكون مسار تغيير سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألفاً، في إطار السيناريو الأول. فلكي يُطبّق هذا السيناريو، يجب أن تكون الودائع – التي قُدّرت بحوالي 80 مليار دولار، مغطاة بالليرة على سعر 15 ألف ليرة، و"هو أمر غير موجود"، إضافة إلى شروط عديدة منها المساعدات الخارجية للبنان ورضى صندوق النقد الدولي، وإبرام اتّفاقيات دولية مع الخارج، وتطبيق الإصلاحات، إلى جانب حلّ مشكلة الودائع، إلى جانب أنّ تطبيق هذا الإجراء بهيئته النظرية، لا يُطبَّق بقرار من وزير المالية.
فاعتماد قرار تغيير سعر صرف رسمي دون إرفاقه بأيّ من الخطوات المذكورة، يعني أنّه يهدف فقط إلى تحسين إيرادات الدولة، و"قد يشمل معه الودائع والقروض، وهنا نتحدّث عن السيناريو الثالث"، بحسب منصور، بحيث يبقى الوضع النقدي الراهن على حاله، مع "صيرفة" والسوداء، وتُسدَّد القروض وتُسحَب الودائع على سعر 15 ألف ليرة.
فلتثبيت سعر الصرف، يجب حلّ ملفّ الودائع، ومن هنا حتى أواخر الشهر المقبل، أي موعد العمل بسعر 15 ألف ليرة للدولار رسمياً، لن تُحلّ هذه القضيّة. إذن، تسأل منصور، "هل ستلجأ المصارف إلى إلغاء الودائع نهائياً؟ هل الشعب سيقبل؟". وتوضح أنّ الكتلة النقدية لا تغطي الودائع على سعر 15 ألف ليرة. ففي شهر كانون الأول من العام الماضي، وبعد دراسة أجرتها منصور، خلصت إلى أنّه إذا ما أُلغيت الودائع نهائياً وأصبحت 0، يمكن تثبيت الدولار على سعر 20 ألف ليرة. لذلك لا يمكن تثبيت سعر الصرف على 15 ألف ليرة.
وعن توقيت هذا الإجراء بعد 3 سنوات على الأزمة، برأي منصور، فهو لتمرير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي لن يرضى بأن يرتفع التضخم باستمرار.
الدولار إلى ارتفاع
كل السلع والخدمات سيرتفع سعرها على دولار 15 ألفاً الرسمي و"الدولار سيرتفع في جميع السيناريوهات"، وفق منصور، لكن "لا جنون أسعار"، باستثناء السيناريو الأول "النظري"، الذي يخفض سعر الصرف ويثبّته.
وكلمة "خطوة أولى نحو توحيد سعر الصرف"، كما جاء في بيان المالية، تعني، وفق منصور، العزم على التفاوض على الودائع لكي يتمكّنوا من تثبيت السعر الرسمي على 15 ألف ليرة.