لم يقلها بالفم الملآن، لكن هذا ما فهموه حينما أكّد أنّ عليهم فكّ الإضراب بعد أن تحوّل وزارة المالية مبالغ مالية إلى صندوق التعاضد الخاص بهم لتغطية المساعدات الاستشفائية والمدرسية (علماً بأنّ هذه الأموال لن تغطي نفقات المدارس والمستشفيات كاملةً)، وعندما تمنّى عليهم تسيير الملفات الملحّة، وهو ما اعتبره القضاة «حيلة لضرب الإضراب».لكن أكثر ما أثار حفيظتهم هو إعلان عبّود رفضه تدبير قبض رواتبهم على سعر صرف 8 آلاف ليرة «لأنه أغضب الكثيرين» على حد قوله. وهذا ما أزعج كثيرين من القضاة الذين انتقدوا علناً أداء مجلس القضاء الأعلى وتقاعسه عن الوقوف خلف قضاياهم، ووصل البعض إلى اتهامه بأنه يريد تلبية مطالب القوى السياسيّة. وإلا، «كيف لمجلس القضاء أن يصدر بياناً يؤكد فيه دعمه للتدبير بقوله إنه كان الحل المؤقت للرواتب الذي لا يتناسب بتاتاً مع ما هو مستحق لكل قاض بانتظار الحلول العامة والنهائية التي تطاول كل السلطات والجهات والمرافق»، متسائلين: «ألم يأخذ المعنيون موافقة المجلس على آلية القبض هذه؟ أم أن الموضوع هو كباش سياسي؟».
خلال الساعات الأخيرة تعاضد الجسم القضائي حول تأكيد الاعتكاف المفتوح عن مزاولة مهامه حتى تحقيق المطالب، في خطوة بدت أشبه بالتلويح بإعلان حالة "العصيان القضائي" في مواجهة السلطة ما لم تقترن الوعود المعطاة للقضاة بضمانات ملموسة تفضي إلى تحسين أوضاعهم المادية.
علماً أن السلطة القضائية هي من بين أكبر 3 موردات إلى صندوق الخزينة برغم عددهم القليل. وهذا ما أشار إليه أحد القضاة في كلمته، مشدداً على أنّ ميزانية القضاء لا تتعدى 0.03 % من ميزانية الدولة رغم الواردات التي يتم تحقيقها، فيما تتعمّد الدولة إجحافهم، وهو ما يبدو واضحاً من خلال تأخر صرف رواتبهم والمساعدات الاجتماعية التي لم تُصرف لهم بعد هذا الشهر، بالإضافة إلى عدم تلقيهم بدلات عن مشاركتهم في الانتخابات النيابية الماضية.وكانت الجمعية العمومية للقضاة قد عقدت اجتماعها أمس في القاعة الكبرى لمحكمة التمييز، بحضور نحو 400 قاض يتقدمهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وتناول المجتمعون موضوع الاعتكاف الذي دخل أسبوعه الثاني "وما يعانيه قضاة لبنان من ظروف مادية ومعنوية واجتماعية وصحية صعبة"، فتقرر في نهاية الاجتماع وبالإجماع الاستمرار في الاعتكاف بعدما تبيّن من أنّ "الاتصالات مع المسؤولين لم تفض الى أي نتيجة لتحقيق الحد الأدنى من مطالب القضاة". ولاحقاً، أعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان "تبني مطالب القضاة جميعها وما استتبعها لناحية الاعتكاف، إلى حين تنفيذ ما تم التوصل إليه في هذا الشأن"، مع التصويب في ما خصّ تردّي الأوضاع القضائية إلى أنّ ذلك "مرده بصورة أساسية الى عدم إقرار قانون استقلال السلطة القضائية".