كتب طارق ترشيشي في" الجمهورية":
تحت وطأة الشروط والشروط المضادة يتعثر «الترسيم الحكومي» منذ حزيران عند التشكيلة التي قدّمها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، والتي لم تظهر حتى الآن اي ملاحظات رسمية علنية لرئيس الجمهورية عليها، باستثناء ما تسرّب من بعض القريبين منه او من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وصحبه، وهي ملاحظات خُلِطت ببعض المطالب والشروط في تعيينات ومرسوم تجنيس دُبّر بليل وانطوى، حسب قول البعض، على تنفيعات وانتفاعات مغلفة برغبة بمنح الجنسية اللبنانية لرجال أعمال كبار واصحاب استثمارات كبرى، من شأنها ان تفيد لبنان في سعيه إلى الخروج من ضائقته وانهياره، وهو كلام لا يعدو كونه عبارة عن «شراء سمك في بحر» ليس معروفاً حجمه ولا إمكانية توافره.
الّا انّ هذه المسألة الحكومية المعقّدة هي بالنسبة إلى البعض، لا الكل، محاولة للاستحواذ على رئيس الجمهورية المقبل «أيكون تحت قبضتي او قبضتك»؟ ام يكون رئيساً للبنان كله، راعياً لمسيرة خروجه من أزمته الكبرى على كل المستويات، متسلّحاً بدعم جامع يفترض ان يقدّمه له الجميع، فيقود السفينة معهم إلى شاطئ الخلاص.
بعض القوى السياسية لا تخفي في مطاوي شروطها ومطالبها الحكومية رغبة في ان يكون الرئيس العتيد في صفوفها، وإذا تعذّر عليها ذلك، تريده ان لا يكون حرّ التصرف بما يشاء وكما يشاء، فيظل محكوماً بمشيئتها في اي خطوة يخطوها، مع العلم انّ من يسعون إلى رئيس من هذا النوع فاتهم الادراك انّ رئيس جمهورية ما بعد «اتفاق الطائف» جعله الدستور راعياً وحَكَماً بين المؤسسات لا طرفاً فيها، وليس صاحب القرار بمعزل عن السلطة التنفيذية الجامعة أي مجلس الوزراء الكلي التمثيل، الذي منحه دستور «الطائف» الصلاحيات التنفيذية التي كانت لرئيس الجمهورية قبله ولم يمنحها لرئيس مجلس الوزراء الذي منحه الدستور صلاحية الإشراف على السياسة العامة للحكومة، وجعل كل وزير رأس الهرم في وزارته، لكن من دون ان يتصرف على هواه وبما يتعارض وسياسة الحكومة وبما يتقدّم على رئيس الحكومة المسؤول الاول عن هذه السياسة.
لكن بعيداً من هذا كله، فإنّ اصل الموضوع يلخّصه السؤال: ماذا يمكن لحكومة سيكون عمرها شهرين ونيف إن أُلّفت اليوم ان تفعل في هذه العجالة، وهل يمكن لعهد ان يحقق خلال هذه الفترة ما لم يتمكن من تحقيقه طوال 6 سنوات؟ ثم هل من فارق بين تأليفها من عدمه وبين استمرار حكومة تصريف الاعمال في «الاطارالضيّق» إلى حين انتخاب رئيس جديد؟
دستورياً ينبغي تأليف حكومة جديدة لسببين: الاول إنجاز الاصلاحات المطلوبة محلياً واقليمياً ودولياً في إطار خطة التعافي وخارجها، حتى يتمكن لبنان من إبرام بعض الاتفاقات مع المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وبالتالي تلمّس طريق الخروج من الانهيار. والسبب الثاني، ان تتولّى هذه الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذّر او تأخّر انتخاب رئيس جديد، حتى لا يكون هناك تشكيك من اي جهة داخلية او خارجية بدستورية تولّي حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية.
لكن البعض، وبينهم دستوريون، يردّون على هذه الاسئلة بالقول، انّ عدم تأليف حكومة جديدة، وبالتالي عدم انتخاب رئيس جمهورية جديد، ليس فيهما «خراب البصرة»، لأنّ لا شيء إسمه فراغ في اي دولة او نظام في العالم مهما كانت الظروف التي تمرّ فيها. فدائماً هناك حل يحفظ استمرار الدولة والنظام والمؤسسات إلى حين اعادة انتاج السلطة المفقودة.
على انّ ذهاب البعض إلى ربط مصير هذين الاستحقاقين الدستوريين بالاوضاع الاقليمية والدولية والمفاوضات الجارية هنا وهناك، ما هو سوى محاولة تعمية عن الحقائق الدامغة، وهروب من تحمّل المسؤولية إلى الامام من هذين الاستحقاقين لغايات ومصالح شخصية او مبنية على ما يمكن عليه مستقبل لبنان في ضوء الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة، والمنتظر تبلورها في ضوء نتائج المفاوضات الاقليمية والدولية الجارية من فيينا إلى بغداد وما بينهما من عواصم عربية واجنبية.