جمال سيدة تعمل على الصندوق في أحد الأفران الكبرى وتتعامل كل يوم مع عشرات الزبائن بعضهم عابرون وبعضهم زبائن دائمون تعرف عاداتهم ومشترياتهم ومشاكلهم الصحية. تقول «تريز لم تكن تشتري إلا ربطة الخبز الأسمر، مصابة بالسكري ونسيت على مرّ السنوات طعم الخبز الأبيض. حين رفع الدعم عن أصناف الخبز لم تعد تطلب الخبز الأسمر الذي بلغ سعر ربطته 27000 ليرة وعادت تشتري ربطة الخبز الأبيض الكبيرة المدعومة. «ما بقى من العمر أكثر مما مضى، نموت من السكري أحسن ما نموت من الجرصة والفقر».
ويروي لنا خضر وهو صاحب أحد الأفران في منطقة البحصاص الطرابلسية ويقسم بأولاده أن زبوناً ربّ عائلة سأله عن الخبز البائت، اليابس، عن الأرغفة المحروقة التي لا تصلح للبيع، الأرغفة القذرة التي تظهر فيها حشرات وأرجل صراصير، «عند الولاد كلو بيمشي، ما فيني اشتري ربطتين باليوم...» صارت الحشرات أرحم بالناس من المسؤولين الذين قطعوا عنهم الرزق والخبز...
سلام صاحبة فرن للمناقيش «زبوناتها على قدها» كما تقول، كثر منهم لم تعد ترى وجوههم منذ ارتفع سعر المنقوشة رغم أنهم جيرانها في الحي تعرفهم ويعرفونها. «الناس أوقفوا تناول المناقيش بعد أن كانت أكلة الجميع، وناس ما عادوا يأتون إلى الفرن مطلقاً. اليوم الكل يسأل عن السعر قبل أن يشتري، يسألون عن الزعتر والجبنة واللحمة ويشترون الأقل سعراً.
عند نبريش المحطة يرى عبدالرحمن العجائب.هو العامل البنغلادشي الذي أمضى في لبنان أكثر من خمسة عشر عاماً متنقلاً بين محطات البنزين في مناطق مختلفة لا يصدق ما تراه عيناه. بلغة عربية شبه سليمة يتأسف «حرام لبنان، بنغلادش أحسن هلأ، ناس معتّر مسكين هون، ما في مصاري للبنزين» نستدرجه بأسئلتنا عن الزبائن وكيف يدفعون؟ «نسوان بفتشوا بالجزدان ساعة بعدين بيعطوني 200 أو 300 ألف فراطة وبدن بنزين.
وتكثر القصص أليمة محزنة. عند أحد محلات بيع الدجاج المعروفة زبائن يطلبون الرقاب والأرجل و»القوانص» وهي مقتطعات كانت تخصص سابقاً لإطعام الكلاب والقطط، يطهوها أصحابها ويقدمونها لحيواناتهم الأليفة اليوم صاروا يقدمونها لعائلاتهم. صورة قاسية جارحة لكنها حقيقة يرويها غسان لنا من موقعه خلف البراد.