ورغم ثروته الكبيرة، لا يزال بانكمان يحتفظ بفلسفته البسيطة في الحياة، ويحتفظ بما يكفي من المال للحفاظ على حياة مريحة، وهو ما يُقدر بنسبة 1% من أرباحه. لكنه يخطط للتخلي عن كل دولار، أو بيتكوين.
ويعيش بانكمان مثل طالب جامعي بسيط، فهو يقود سيارة تويوتا كورولا، ويسكن بشقة مع 10 أشخاص آخرين، ورغم أنه لا يحب إضاعة الوقت في التوفير، فإنه لا يرى قيمة كبيرة في شراء الأشياء أو إنفاق الأموال.
أقران بانكمان يصفونه وكأنه نوع غريب من الراهب الرأسمالي، ويقول أحدهم إنه عمل بجد في الأيام الأولى لدرجة أنه كان نادرًا ما يستحم، ويقول آخر إنه لم يكن لديه الوقت للعلاقات، ويعتبر النوم ترفًا لا لزوم له.
ويقول الكاتب إن صناعة العملات المشفرة قد تبدو خيارًا غريبًا لأصحاب الأعمال الجيدة، حيث تُسَهِّل عمليات الاحتيال التي لا نهاية لها، ولكن بانكمان لا يرى الأمر بهذه الطريقة، حيث يقول إن منصة "إف تي إكس" -وهو المؤسس المشارك لها ورئيسها التنفيذي- تدير سوقًا نزيهة يقوم المستخدمون فيها بشراء وبيع بيتكوين وإيثر وغيرهما من العملات المشفرة، وتتحقق من خلفيات العملاء، وتشتري أرصدة الكربون لتعويض انبعاثاتها، وهي أكثر كفاءة من النظام المالي السائد.
ورغم حديث مؤيدي العملات المشفرة عن هذه الثورة المالية اللامركزية، فقد كان معظم النشاط يعتمد على التبادلات الخاصة لمطابقة المشترين والبائعين، حيث يرسل الأشخاص الذين يرغبون في شراء بيتكوين أو إيثر الدولار أو اليورو إلى البورصة، ويتداولونها لبعض الوقت، ثم يسحبونها، وهنا لاحظ بانكمان أن بعض العملات المشفرة لم تكن تُباع بنفس السعر في جميع البورصات، وهو ما كان نوعًا من فرص المراجحة للشراء المنخفض والبيع المرتفع التي تعلم استغلالها في "جين ستريت"، لكنه قام ببناء نماذج رياضية معقدة للتداولات التي تهدف لجني الأموال من الفروق الطفيفة في الأسعار، رغم أن التناقضات في بورصات العملات المشفرة كانت أكبر بمئات المرات.
وكان من المستحيل تنفيذ بعض التداولات، حيث منعت ضوابط رأس المال المتداولين من إرسال الأموال النقدية إلى الوطن، ومن الناحية النظرية، يمكن لأي شخص أن يكسب 10% يوميًا عن طريق شراء بيتكوين في بورصة أميركية وإرسالها إلى بورصة يابانية لبيعها، وبهذا المعدل، في فترة تزيد قليلا على 4 أشهر، يمكن لـ10 آلاف دولار أن تصبح مليار دولار.
وعلى إثر تأسيسه لشركته "أبحاث ألاميدا" (Alameda Research)، اعتبرت البنوك الأميركية العملات المشفرة سطحية لدرجة أن البعض لم يسمح له بفتح حساب، مما جعله يفتح شركة فرعية في اليابان، ولكن مديري البنوك كانوا دائمًا ما يثيرون تساؤلات حول تحويلاته المالية للخارج، وهو ما جعله يواجه مشكلة كبيرة في إرسال الأموال.
وبحلول عام 2019، كانت ألاميدا تقدم مئات الآلاف من الدولارات من الأرباح يوميا، وهو ما يكفي، لإنقاذ حياة كل ساعة إذا اختار بانكمان فرايد تقديم الأموال إلى المؤسسات الخيرية المناسبة. بدلاً من ذلك، قرر هو وزملاؤه إعادة استثمار مكاسبهم -جزئيا- في بناء تبادل التشفير الخاص بهم، فقد كانت الأسواق في حالة يرثى لها، وغالبًا ما تنهار عندما تنخفض الأسعار أو ترتفع، وقام البعض بفرض رسوم من مجموعة ألاميدا، لتعويض البورصات عن خسائرهم في قروض الهامش للعملاء، وهي ممارسة لم يسمع بها أحد في بورصة نيويورك.
استغرق الأمر 4 أشهر من طاقم بانكمان لكتابة الكود الأساسي لبورصة جديدة "إف تي إكس" افتتحت للعمل في مايو/أيار 2019، وقدمت خدماتها للمتداولين الكبار.
رواد الأعمال الشباب في مجال التكنولوجيا -مثل بانكمان فرايد- حوّلوا حركة "الإيثار الفعال" إلى قوة في العمل الخيري، فقد تعهد أكثر من 7 آلاف شخص بما لا يقل عن 10% من أرباحهم من خلال مجموعة يديرها مركز "الإيثار الفعال"، حيث يتبرع داستن موسكوفيتز، أحد مؤسسي فيسبوك، بمئات الملايين من الدولارات سنويًّا للجمعيات الخيرية التي تعتبرها الحركة فعالة، واستعان أيلون ماسك مؤسس شركة تسلا بلاعب بوكر محترف تحول إلى مؤثر فعال لتقديم المشورة له بشأن العطاء.
ويختتم الكاتب بما يقوله ماكاسكيل، مؤسس حركة "الإيثار الفعال"، إن بانكمان فرايد كان متحمسًا مؤقتًا لفكرة شراء مناجم الفحم، لمنع الانبعاثات وللحفاظ على الوقود في متناول اليد في حالة الحاجة إليه في سيناريو ما بعد الكارثة، لكنه قرر أنها ليست فعالة من حيث التكلفة، حيث يقول بانكمان فرايد "يجب أن نتوقع أن تزداد الأوبئة سوءًا بمرور الوقت بسبب احتمال حدوث تسريبات معملية"، وأضاف "هناك فرصة لزعزعة استقرار العالم إذا لم نستعد لذلك".