يدخل لبنان بعد أقلّ من ثلاثين يوماً فلك الانتخابات النيابية المقرر حصولها منتصف الشهر المقبل وذلك على وقع أسوأ انهيار اقتصادي واجتماعي يعصف في البلاد. اللبنانيون الذين ينتظرون إجراء هذا الاستحقاق الخطير والمفصلي بفارغ الحيطة والترقب، يتطلعون ببارقة أمل إلى نتائجه لعلّ تاريخ الخامس عشر من أيار يسطّر نهاية هذا النفق الطويل المظلم ويشكّل مفتاحاً لحلحلة الأزمات المتشابكة وفكّ العُقد الشائكة لا سيّما تلك المتعلّقة بسعر صرف العملة الخضراء وتداعياته الكارثيّة على حياتهم اليوميّة.
هذا وسوف يتمّ الإفراج عن مبالغ المساعدات بعد الموافقة على خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإقرار مجلس النواب اللبناني ميزانية العام 2022 وقانون الكابيتال كونترول وقانون جديد للسرية المصرفية لمحاربة الفساد وتوحيد سعر صرف الليرة اللبنانية، فضلاً عن التزام المسؤولين بتنفيذ كافّة البرامج الإصلاحية المطلوبة ومواصلة التنفيذ الحازم خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
وعلى الرغم من إتمام هذه الخطوة ولو ورقيّاً في هذه المرحلة، استبشر اللبنانيون خيراً بأن يشهد سعر صرف الدولار انخفاضاً ولو بسيطاً، إلاّ أنّ هذه الآمال ذهبت سدىً ولم يستطع هذا الإتفاق أن يردع المنحى التصاعدي لسعر الصرف الذي تابع قفزاته الجنونية التدريجيّة بحيث لامس عتبة الـ25 ألف للدولار الواحد، بعد فترة من الاستقرار المصطنعة لعب المصرف المركزي فيها دوراً كبيراً في لجم ارتفاع الدولار وخفض سعر الصرف مقابل الليرة عبر إصداره التعميم 161 والاستمرار في تمديد مفاعيله حتى نهاية نيسان في مهلة قابلة للتجديد.
منذ بداية اندلاع الأزمة وحتى اليوم، لم ينجح أحد في تحديد سقف معيّن لسعر الصرف المتقلّب الذي ينخفض تارةَ ثمّ يعاود تحليقه الهستيري طوراً دون حسيب أو رقيب. وفي انتظار تنفيذ التشريعات الاصلاحيّة المطلوبة من قبل صندوق النقد قبل الوصول إلى موعد الانتخابات ومع تفاقم كرة الإنهيار الاقتصادية والاجتماعية وتصاعد التوترات السياسية والانتخابية وانعدام الحلول الناجعة، يزداد الضغط على الليرة اللبنانيّة التي تجنح نحو الإنهيار الكلّي مع استمرار النزيف في احتياطي المركزي من النقد الأجنبي والتوجه قسراً إلى دولرة الإقتصاد واعتماد العملة الخضراء في أغلبيّة تعاملات السوق، حيث ترتفع حاجة المواطنين إليه لا سيما مع اضطرارهم إلى الدفع بالدولار من أجل تأمين أبسط احتياجاتهم الحياتيّة من دواء وغذاء واستشفاء ومحروقات، الأمر الذي يؤدي إلى تزايد الطلب عليه بشكل كثيف في الوقت الذي يقابله شح كبير في العرض.
أيام معدودة متبقّية يتحضّر فيها لبنان إلى مواجهة أخطر استحقاق وجودي ومصيري يُتخوّف فيه من الفشل والعودة إلى نقطة الصفر، استحقاق قد يشكّل فرصة للنهوض والنجاة من كبوة الأزمات ويطرح علامة استفهام عريضة حول مصير سعر صرف الدولار. فهل تصدق التوقعات وتُطلق مرحلة ما بعد الانتخابات العنان للدولار من أجل استكمال رحلة تحليقه الخيالية أم أنّها سوف تقلب موازين القوى وتضع الليرة اللبنانية من جديد على سكة الخلاص والتعافي؟
حتى الخامس عشر من أيّار المقبل، تُشرّع الأبواب كلّها أمام جميع الاحتمالات المفتوحة ليبقى الدولار تحت مجهر الاستحقاق النيابي وما سيحمله من مفاجآت ونتائج وتغيّرات.