قد لا يختلف شخصان على الإطلاق على أن عيد الميلاد، هو من أجمل الأعياد في السنة، وهذا الجمال يتظهر من حيث زينته وألوانه وأضوائه، التي تدخل الكثير من البهجة والفرح إلى قلوب الجميع، كباراً وصغاراً، على امتداد الكرة الأرضية.
وعلى الرغم من الألم الذي نعيشه في لبنان، حيث الغصة تحاصر فرحة العيد وتنتقص منها في كل أوساط المواطنين وفي كل المناطق، الا أن ألوان الميلاد والبهجة الموجودة بين الأشخاص، تجعل من هذه الفترة واحدة من أجمل الفترات في كل عام...
ولكن ما هو تاريخ العادات والتقاليد في هذا العيد؟ وما هي أبرزها؟
سؤال حملناه الى المتخصص في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر ومؤلف العديد من الكتب والمقالات في التاريخ الكنسيّ الدكتور عماد مراد، الذي أكد في حديث لـ "لبنان24" أنه في بداية عام 300، لم يكن من وجود لعيد الميلاد، نظراً للإضطهاد في الإمبراطورية الرومانية، من أوروبا إلى أفريقيا إلى آسيا وشرق البحر الأبيض المتوسط، وكانت الأعياد الأبرز ، ثلاثة وهي: عيد الغطاس، الجمعة العظيمة وعيد القيامة، وكانت تقتصر الاحتفالات على بعض التقاليد السريّة، وقد استمر هذا الأمر على هذا النحو، إلى حين بدء إحترام الإمبراطورية الرومانية للديانات، لا سيما الديانة المسيحية، علماً أنه تم الإعتراف بها في عهد الملك قسطنطين الكبير عام 313 ميلادي، وعندها قرر الملك، تحديد عيد الميلاد يوم عيد الشمس عند الوثنيين في 25 كانون الأول لسببين: الأول كي ينسى الوثنيون الذين اعتنقوا المسيحية التقاليد القديمة، والثاني لان يسوع هو نور العالم ومن هذا المنطلق اختار الملك هذا اليوم، أي الخامس والعشرين من كانون الأول، ليكون عيد الميلاد، إلاّ أن الأكيد، أن لا موعد محددا لتاريخ ميلاد المسيح.
أما عن رموز العيد، فيشير مراد إلى أن المغارة، التي تعد من أبرزها، فإن المتعارف عليه، أن أول من وضع المغارة بالشكل العادي التقليدي، هو القديس فرنسيس القسيسي في إيطاليا، وهو أحب أن يعلم المسيحيين في ايطاليا معنى التواضع، فاستخدم مغارةً طبيعيةً في إيطاليا ومثّل فيها الناس ولادة يسوع المسيح، على طريقة المسرحية، وبالتالي، بدأ بتفسير القصة إلى الزوار، ومفادها، بأن ظهور يسوع المسيح في هذا الشكل في مغارة ، هو يترجم تواضع الله الذي تجسد وأصبح إنساناً، فيما الرعاة هم الفقراء الذين يحتاجون إلى الله، أما المجوس ، فهم الأغنياء الذين هم أيضاً بحاجة إلى الله.
ومن هنا فإن التواضع هو الأ ساس، والجميع متساوون أمام الخالق، أما الملائكة فتواجدهم قرب المغارة وفوقها، هو إشارة إلى رضى الله عما يجري، وهذا مكتوب من الله الذي تجسد وأصبح انساناً.
أما شجرة الميلاد، فهناك الكثير من الآراء لدى المؤرخين حول تاريخ اتخاذ المسيحيين شجرة الميلاد كعلامةً للإحتفال في العيد، ولكن في العهد الروماني كانوا يزينون الأشجار الطبيعية الموجودة أمام المنازل، وعلى الرغم من أنه مع بداية القرن السابع عشر تم تزيين أول شجرة في ستراسبورغ في فرنسا داخل أحد المنازل.
اما شكل الشجرة كما نعرفه اليوم لناحية الألوان والإضاءة والنجمة والشموع ، فيوضح مراد، أنه يعود إلى عهد الملكة فيكتوريا ملكة برطانيا العظمى عام 1840. واللون الأخضر يرمز لخصوبة الأرض والرجاء، واللون الذهبي يرمز لمجد وملوكية يسوع المسيح، والأحمر هو رمز الشهادة التي قدمها المسيحيون الأوائل، والأبيض هو رمز الطهارة في هذا العيد، والجرس دليل الفرح والهداية على الطريق الصحيح، أما الشموع والنجمة فهي دليل على النور.
أما بابا نويل، فهو يرمز إلى القديس نيكولاوس، مطران تركيا الذي كان يملك ثروة ضخمة، وصار يوزع أمواله على الفقراء وأشهر القصص حوله، أنه عندما عرف أن عائلة لديها ثلاث بنات تحتاج إلى المال، وهن في سن الخطوبة، بادر القديس نيكولاوس، وخوفاً من أن تسلكن طريق الخطأ،إلى وضع المال في جواربهن المنشورة، أما بابا نويل في شكله الحالي، فهو تقليد جديد من القرن التاسع عشر.
أما بالنسبة للعادات في بعض الدول، فيقول مراد: هناك الكثير من العلامات المشتركة بين الدول والكثير من العادات التي تحتلف بين بلد وآخر، ولعل أبرز النقاط المشتركة هي السهرة ليلة العيد مع العائلة، والتي ترمز إلى العائلة المقدسة، ويتم تبادل الهدايا خلالها وكذلك الزيارات ، كرمز للفرح في العيد.
أما حلوى العيد، أو ما يعرف بـ"البوش" ، فهو تقليد جديد يعود الى عهد نابوليون بونابرت الذي حكم ما بين 1799 و1815 حيث أنه في بداية العهد، أصدر قراراً منع بموجبه استعمال الحطب، وعندها تم صنع غاتو يشبه الحطب، تأكيداً من الشعب على مدى تعلقهم بهذا الرمز للتدفئة في المساء.
وتابع: هناك العديد من المدن الأوروبية، لا سيما في أوروبا الشرقية، وأميركا الجنوبية والوسطى كغواتيمالا والباناما والهندوراس، التي تعتبر أن الشياطين تتحرك في هذه الليلة لكي يمنعوا الناس من الصلاة والعودة إلى الجذور، ولذلك يرتدون لباساً مرعباً عند الباب، أو يرتدون ألبسةً غريبةً لطرد الشياطين منتصف الليل، كما يعمل السكان على تنظيف المنازل جيداً في أسبوع العيد وتحديداً في الزوايا، لمنع الباكتيريا من التواجد.
في بعض دول أوروبا الشمالية، بابا نويل يزور المنازل، ويضع المأكولات اللذيذة في الأحذية الجديدة الموجودة أمام المنزل.
هذا فضلاً عن أن بعض الدول، مثل روسيا وبيلاروسيا، وصربيا تعمد إلى تزيين شجرة الميلاد بخيوط العنكبوت، ويعود أصل هذه العادة إلى قصة تقول، أن امرأةً عجوز وفقيرة عجزت عن تزيين شجرة الميلاد خارج المنزل، وفي الصباح استيقظت لتجد أن العنكبوت نسج خيوطه على جميع الشجر، ما أضفى زينةً للشجر مع انعكاس الشمس عليها.