وفي تقرير نشرته صحيفة "ذا هيل" (the hill) الأميركية، يقول الكاتب جاستين كولمان إن العديد من الدول مثل الهند وجنوب أفريقيا تضغط على الدول الأكثر ثراء من أجل التنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات كوفيد-19، وتدعم إدارة بايدن بشكل علني هذه الخطوة التي من شأنها أن تسمح للمزيد من الدول بتصنيع اللقاحات بنفسها.
ما الذي يهدد انتعاش الاقتصاد العالمي مجددا؟
وقد أثار تأجيل المؤتمر -الذي كان من المقرر أن ينظر خلاله الأعضاء في تعليق التنازل المقترح- مخاوف من أن يؤدي الانتظار إلى زيادة عرقلة جهود التطعيم العالمية ويوسع فجوة اللقاح بين الدول الغنية والفقيرة.
وساهم ظهور المتحور الجديد أوميكرون في تجديد الدعوة إلى التنازل عن الملكية الفكرية للقاحات كوفيد-19، ومن بينها دعوة السيناتور بيرني ساندرز للتنازل عنها مؤقتا والسماح للمزيد من الدول وشركات الأدوية بإنتاج اللقاحات دون مواجهة عواقب قانونية.
ويعتقد العديد من الخبراء والمدافعين عن هذا الخيار أن المتحور الجديد يتطلب "الاستعجال" من منظمة التجارة العالمية وأعضائها في الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم لتطعيم سكانها تجنبا لمزيد من تطور الفيروس وظهور المزيد من المتحورات.
بين مؤيد ومعارض
لكن صانعي اللقاحات -إلى جانب مجموعة البحوث الصيدلانية والشركات المصنعة في أميركا- أعربوا عن معارضتهم للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات كوفيد-19، قائلين إنه ليس حلا فعالا لتسريع حملات التطعيم ويمكن أن يعقد عملية تصنيع اللقاحات.
وقرر المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية تأجيل المؤتمر الوزاري الذي كان مقررا عقده ما بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والثالث من ديسمبر/كانون الأول الجاري بعد أن فرضت عدة حكومات -بما في ذلك سويسرا حيث يقع مقر المنظمة الرئيسي- قيودا على السفر بعد أن أبلغت كل من جنوب أفريقيا وبوتسوانا عن متحور أوميكرون.
وبعد اكتشاف المتحور الجديد، أصدر الرئيس بايدن بيانا قبل أكثر من أسبوع دعا فيه أعضاء منظمة التجارة العالمية إلى دعم التنازل عن الملكية الفكرية للقاحات، وقال الرئيس الأميركي إن الأخبار المتعلقة بهذا المتحور الجديد توضح أكثر من أي وقت مضى أن هذا الوباء لن ينتهي حتى يتم تلقيح جميع سكان العالم.
وفي حين أعربت إدارة بايدن عن دعمها للتنازل عن حقوق الملكة الفكرية للقاحات منذ أكثر من 6 أشهر، طالب المشرعون والمنظمات الولايات المتحدة بالضغط أكثر من أجل التوصل إلى اتفاق خلال المؤتمر الوزاري المؤجل.
من جهته، انتقد بيرني ساندرز -الذي كان جزءا من هذه الدعوة- منظمة التجارة العالمية في بيان قال فيه إن "وقت النقاش" حول التنازل عن الملكية الفكرية قد "انتهى"، بينما لا يزال الملايين ينتظرون دورهم لتلقي الجرعة الأولى من اللقاح.
وفي تشرين الأول 2020، قدمت الهند وجنوب أفريقيا اقتراح التنازل عن حقوق الملكية الفكرية، لكن حكومات مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا عارضت ذلك بحجة أن تعليق حقوق الملكية يتطلب تصويتا بالإجماع من قبل أعضاء منظمة التجارة العالمية.
ونقل الكاتب عن مهجة كمال ياني مستشارة تحالف "بيبول فاكسين" (People Vaccine) أن مؤيدي التنازل عن الحقوق الفكرية علقوا آمالهم على المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية ليكون نقطة تحول محتملة في جهود التطعيم، لكنها ترى أن التنازل لا يجب أن يصدر عن المؤتمر الوزاري وإنما يمكن أن يوافق عليه أعضاء المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية.
ووفقا لـ"عالمنا في البيانات" (Our World in Data)، فإن انعدام المساواة بالتطعيم في جميع أنحاء العالم أمر واضح، حيث إن ما يقارب 60% من سكان أوروبا ودول مثل الولايات المتحدة تلقوا التطعيم بالكامل، في حين أن معدل التطعيم في قارة أفريقيا ككل أقل من 8%.
التنازل ليس الحل
من وجهة نظر الصحة العامة، نبهت مهجة ياني إلى أنه لا يمكن السيطرة على الفيروس في بلد واحد أو بلدين أو في منطقة واحدة أو حتى في قارة كاملة مثل أوروبا، بينما تتجاهله في دول أخرى، لأنه على هذا النحو سيعود الفيروس مجددا.
وذكرت آن بريتشيت نائبة رئيس السياسة والأبحاث في مجموعة "البحوث الصيدلانية ومصنعو أميركا" أن التنازل لن يساعد في إنقاذ الأرواح على مستوى العالم، وقد يكون له تأثير ضار على توفر اللقاح على الصعيد العالمي، ويسبب نوعا من عدم اليقين بشأن 200 شراكة أو أكثر والشراكات التي لدينا حول العالم لزيادة القدرة على تصنيع اللقاحات، وأضافت "بالنظر إلى طبيعة هذه اللقاحات المعقدة جدا، فإن مجرد تسليم براءات الاختراع لا يعني أن أي مُصنع لقاح سيكون قادرا على إنتاج لقاحات آمنة وفعالة".
وحسب ما أفاد به متحدث باسم شركة "فايزر" (pfizer) لصحيفة "ذا هيل"، فإن التنازل عن حقوق الملكية الفكرية لن يقدم حلولا حقيقية لتوسيع نطاق الوصول إلى اللقاح، في الوقت الذي تعتبر فيه الصناعة قادرة على تطوير لقاحات كافية للعالم بحلول منتصف عام 2022.
ومن المقرر أن تقدم هذه الشركة ملياري جرعة من اللقاح إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل هذا العام والعام المقبل، مع تسليم 783 مليون جرعة حتى الآن، وأشار المتحدث إلى أن شركة الأدوية تعمل على تحسين سلسلة التوريد الخاصة بها من خلال توسيع المرافق الحالية وزيادة الموردين وعقد شراكات مع مصنعين آخرين.
ويوم الجمعة الماضي، صرح جيف زينتس منسق مكافحة الجائحة في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة التزمت بالتبرع بـ1.2 مليار جرعة وقدمت 291 مليون جرعة إلى 110 دول، من بينها 11 مليون تم شحنها يوم الجمعة. لكن المدافعين عن التنازل عن حقوق الملكية الفكرية قالوا إن التبرعات لن توفر جرعات كافية لتطعيم أغلب سكان العالم قبل ظهور المزيد من المتحورات المقاومة للقاحات.
ويقول لوري والاش مديرة موقع الرقابة على التجارة العالمية التابع لمنظمة المواطن العادي "نحن نتحدث عن الحاجة إلى مليارات الجرعات من اللقاحات، ولا تكمن المشكلة أساسا في إعادة توزيع ما نملكه، بل علينا بناء مصانع جديدة، نحن بحاجة إلى المزيد من الجرعات، إنه لمن المرعب أن نعرف المخرج ولا نتجه إليه".