يبدو الواقع اللبناني بكل تفاصيله وتعقيداته، ولوهلة أولى، مرتبطا بالمزاج، والمقصود بالمزاج هو طريقة فهم الناس وتفاعلها مع أي حدث أو أمر يطرأ على يومياتها التي باتت تقع في خانة المضحك والمبكي بكل ما تحمل العبارة من معنى.
والحال تشير وبصريح العبارة إلى انهيار شامل وقعت فيه البلاد على كافة الصعد وفي مختلف المجالات، لكن ردة الفعل على هذا الانهيار لم تأت بالطريقة والأسلوب والدرجة المناسبين، إنما جاءت وفقا لمطلع الأغنية الشهيرة "خليلي مزاجك رايق".
ففي قراءة سريعة لما آلت إليه الظروف ودون الدخول في التفاصيل، يمكن القول أن الدولار يزيد في تحليقه متخطيا عتبة الـ 20 الف ليرة ومعه تحلّق الأسعار كافة تحليقا لا مثيل له، كما أن صفيحتي البنزين والمازوت اصبحتا أقرب الى الكماليات والأمور الثانوية التي ترتفع أسعارها دون الأخذ بعين الاعتبار قدرة المواطن الشرائية.
ناهيك طبعا عن أسعار الدواء والطبابة والأقساط المدرسية وسواها من مقومات الحياة التي أصبحت تشبه برتابتها ساعات الموت الأولى.
والمفارقة أنه وعلى الرغم من كل هذا وعلى الرغم من السواد القاتم، يبدو المزاج العام مستقرا.
فالحياة مستمرة والسهر و"النرجيلة" مستمرين برفقة كل أشكال اللامبالاة التي ترسم الف علامة استفهام حول شعب قيل عنه يوما انه "شعب عنيد وعظيم".
ليس المقصود هنا تحميل الشعب مسؤولية الكارثة العامة التي نمر بها، لكن السؤال يطرح حول اسباب استمرار اللبناني معتصما بالصمت، ولماذا لم يحرك ساكنا حتى الان؟ ولماذا لا تزال الشوارع فارغة حتى الساعة؟ ولماذا لم يصل المواطن إلى حال العصيان التام أو الشامل؟
كلها أسئلة مشروعة، فالواقع لا يتطلب الا حراكا واضحا وصحيحا يقوم بتصويب البوصلة وتحديد الأهداف بغية إطلاق العمل الجاد وورشة الإصلاح التي لا بد منها.
فالحكومات، وعبر التاريخ لم تستطع إنجاز اي مهمة، الا اذا وقفت الشعوب إلى جانبها وناصرتها. وفي وضعية مشابهة لما نمر به اليوم تحتاج الحكومة دائما إلى الضغط الشعبي حتى تتمكن من إطلاق عجلة ايقاف الانهيارات والعمل على الخروج منها.
قد يقول البعض أن الانقسامات الطائفية والمذهبية والسياسية ومن يقف خلفها، هي السبب في صمت المواطن، لذلك لا بد من استرجاع مقولة شهيرة تشير إلى أن الحقوق تنتزع ولا يتم وهبها كهدية من أحد، لذلك على الشعب أن يدرك أنه إن استمر ضعيفا وصامتا قد لا يستطيع الوصول إلى بر الأمان حتى لو طالبت كل دول العالم بوهب اللبناني الحق بالعيش في كرامة وعنفوان.
فمن يريد الكرامة والعنفوان والعيش الكريم عليه أن يناضل للوصول إليهم، أما من ينتظر الخارج ومن يعوّل ويراهن على الاتفاقيات ومساراتها، فانه حتما سيمضي العمر باحثا عمن يقرضه لحظة أمان وفرح وسعادة وغيرها من أحلام تعد من بديهيات الحياة لدى أي شعب انتفض وصارع للوصول الى دولة القانون والمؤسسات.
من هنا لا بد للشعب من أن يقول كلمته، ولا بد له من النظر ابعد من شعار "كلن يعني كلن" حتى يتمكن من اعتماد نظام "الغربال" فيوجه اصبع الاتهام نحو من يستحق ويقف إلى جانب من يسعى لانقاذه، وحينها فقط يمكن الحديث عن خروج ممكن من مستنقع القهر الذي نعيشه.
ما يخرجنا مما نحن فيه هو شعب واع وقادر وجاهز لأن يقف إلى جانب الحق والا ستتسع الهوة وسيتلذذ بعض المسؤولين بترداد الحان "خليلي مزاجك رايق".